على الطرف الآخر من الطّيف


توجد طائفة أخرى تكنّ بغضا للحفظ والتكرار سواءا كان سلبياّ أم إيجابيّا، وتراه مضيعة للوقت والجهد. ويعتقد هؤلاء أنّ ما ينبغي أن يشغلنا هو الإبداع وتوليد الأفكار الجديدة وتثوير المعرفة لاستنباط الجديد واستخراج المخبوء. أليس من هذا النبع النضّاخ تفجّرت الأفكار الثوريّة التي غيّرت وجه العالم في : الطبّ والفيزياء وعلم الفلك وحتىّ في العلوم الشرعيّة و"ما وراء الطبيعيات" كما يسمّونها؟! ومع تهافت هذا الطرح فلا ينبغي أن يمرّ علينا أو نمرّ عليه مرّ الكرام.

اعلم أنّ بلوغ هذا المرتقى العالي (الإبداع أو التجديد) لا يكون إلاّ على أساس قويّ من الإتقان والضبط وهو ما يبنيه الفهم والحفظ. "فالإتقان في أيّ مجال، من الطبخ إلى جراحة الدماغ مرورا بالشطرنج، هو تراكم تدريجي للمعرفة والإدراك المفاهيمي والحُكْم والمهارة”(1) . فالإبداع يقع على نهاية الطريق التي تتخللها محطات عديدة، بل لا ينفكّ الفحول المبدعون عن الاستزادة من العلم، لا يغرّهم طول الطريق الذي قطعوه ولا القمم التي اعتلوها، وهم أعلم من غيرهم أنّ ما بقي من الطريق أطول، وأنّ فوق كل قمّةٍ قمّةً أعلى منها.


(1) العبارة من كتاب "Make it Stick”

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة