راجعْ غبّا تزددْ فهما وحفظا



قد عرفتَ أن المراجعة لا ينبغي أن تكون قراءة سلبيّة مفتقرة إلى التعقّل والتفكّر، فما أقلّ نفعها. إنّ المراجعة الفعّالة تعتمد على الاستخراج الذي تكلّ منه العقول وتتعب، غير أنّ عاقبة هذا الكلال والتعب حدّة في الحفظ وجودة في الفهم. كذلك تزداد فعاليّة المراجعة إذا وقعت على فترات متباعدة، فبدل أن تراجع الدرس ثلاث مرار في جلسة واحدة، فأجدى أن تراجعه اليوم مرّة، ثم تراجعه ثانية بعد 3 أيام ثم تراجعه ثالثة بعد أسبوع. المباعدة بين أوقات المراجعة تعزّز الذاكرة طويلة المدى، وتجعلنا أضبط للعلم وأقدر على استخراجه وقت الحاجة.

في دراسة أجريت على ثمانية وثلاثين من الجراحيين المقيمين، أخذوا جميعا سلسلة من أربعة دروس قصيرة في الجراحة المجهرية: كيفية إعادة ربط الأوعية الصغيرة. تضمّن كلّ درس بعض التعليمات متبوعةً ببعض الممارسة. أكمل نصف الأطبّاء جميع الدروس الأربعة في يوم واحد، وهو النسق العادي أثناء الدراسة. أكمل الآخرون نفس الدروس الأربعة ولكن بفاصل أسبوع بينها. في اختبار تم إجراؤه بعد شهر من جلستهم الأخيرة، تفوق أولئك الذين تم الفصل بين دروسهم أسبوعًا، على زملائهم في جميع المجالات : الوقت المنقضي لإكمال الجراحة وعدد حركات اليد والنجاح في إعادة ربط الأبهر المقطوع للفئران الحيّة. كان فرق الأداء بين المجموعتين مثيرًا للدهشة. الأطباء الذين أخذوا جميع الجلسات الأربع في يوم واحد لم يسجّلوا درجات أقل في جميع الإجراءات فحسب، ولكن 16% منهم أتلفوا أباهر الفئران بشكل لا يمكن إصلاحه ولم يتمكنوا من إكمال عملياتهم الجراحية.(1)

من المهّم التنبيه على أنّ الفهم والمراجعة ليستا عمليتين منفصلتين يمكن رسم حدود واضحة ببينهما، بل الوصف الأنسب هو أنّ المراجعة امتداد للفهم. قد خبرتَ -بلا ريب- ذلك الشعور المبهج أثناء مراجعتك لبعض ما تعلّمتَ، كأنّ الغيمَ انقشع، فأنارت لك أشعّةُ الشمس الساطعة تلك المسألةَ، حتّى كأنّك تقرأها لأوّل مرّة، وحينها قلت في نفسك متعجبا : كيف لم أفهمها قبل اليوم؟! ربما ازددتَ علما، فهبَّت ريحه الطيّبة على ذلك الغيم فأزاحته، أو أنّ عقلك في تلك اللحظة كان يعلو موجة مواتية، أتاحت لك النّظر من زاوية لم تنظر منها من قبل.

من الناحية العمليّة تتأثّر وتيرة المراجعة بمدى فهمك وضبطك. مثلا بعد 3 أيام من عمليّة الاستخراج الأولى، تعاود الكرّة، وتقيّم مدى حفظك وضبطك. فإذا كانت إجابتك صائبة وتامّة يمكن أن تجدول مراجعة ثالثة بعد أسبوع مثلا. أمّا إذا كانت الإجابة خاطئة أو منقوصة، فستقلص المدّة إلى يومين أو ثلاثة. لعّلكم تقولون : أكثرت علينا من "مثلا" في هذا الفصل، ونحن بحاجة إلى خطّة عمليّة للمراجعة ذات المواعيد المتباعدة! فأقول : أبشروا، فعندما ننتقل إلى الشقّ العمليّ سأصف لكم أداة رائعة تفي بالغرض -إن شاء الله-.



(1) من كتاب "Make it Stick”


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة