اخلط الأوراق : إستراتيجية التداخل في تعلّم العلم


يعتقد أكثرنا أنّ الاكتفاء بممارسة باب واحد من أبواب العلم، أو مهارة واحدة من فنّ ما أفضل من الإكثار من المسائل والمهارات والخلط بينها في وقت واحد، حيث يتيح لنا ذلك تكرير مسائل الفنّ أو المهارة أكثرَ، ويجمع العقل والفكر عليها دون مزاحمة قد تقلّل من قدرتنا على الاستيعاب. ما أجمل هذه الحجة، ولكنّها كسابقاتها خادعة مضلِّلة.

في تجربة تمّ تعليم مجموعتين من الطلاّب كيفية حساب أحجام أربعة مواد هندسية صلبة (إسفين ، كروي، مخروط، نصف مخروط). ثم عملت مجموعة من الطلاب على حلّ تمارين تم فرزها حسب نوع المادة الصلبة (أربعة مشاكل لحساب حجم الإسفين، ثم أربع مشاكل للكروي ، وهكذا). عملت المجموعة الأخرى على حلّ نفس التمارين، لكنّ التسلسلَ كان مختلطًا بدلاً من فرزه حسب نوع المادّة الصلبة. أثناء حلّ التمارين، بلغ متوسط نسبة الطلاب الذين حلّوا التمارين المفروزة 89٪، مقارنة بـ 60٪ فقط لأولئك الذين حلّوا التمارين المختلطة. ولكن في الاختبار النهائي بعد ذلك بأسبوع، بلغ متوسط تقييم الطلاب الذين مارسوا حلّ التمارين المفروزة 20٪ فقط، في حين بلغ متوسط تقييم الطلاب الذين تمّ خلط ممارستهم 63%. عزّز خلط أنواع التمارين أداء الطلاّب بنسبة رائعة، بلغت 215 بالمائة خلال الاختبار النهائيّ.(1)

يُعتقد أنّ المجهود العقليّ المضاعف الناجم عن التعامل مع مواضيع مختلفة في آن واحد، يعزّز الروابط بين المسائل المختلفة وقدرة المتعلّم على استنباط العلاقات المتشابكة من خلال النظر إلى "الصورة الكبيرة”. فأنت لا تعزّز حفظك وضبطك طويل المدى فقط، بل تقوّي قدرتك على الاستنباط والتّحليل والتّثوير.

الممارسة المركّزة (بالتركيز على باب واحد في وقت واحد) يعطي نتائج أضعف على المدى الطويل، لكن الغريبُ أنّ الذين خضعوا للتجارب اعتقدوا جميعُهم -تقريبا- أنّ الممارسة المركّزة أنجع من الممارسة المتداخلة، حتى بعد ظهور نتائج الاختبارات التي تُكذّب ذلك!!! يسمّي العلماء الأداء العالي الذي نكتسبه من التكرار السلبيّ والممارسة المركّزة "القوّة اللحظية"، ويميّزونها عن "قوة العادات الأساسية" التي تحتاج إلى اعتماد تقنيات مثل الاستخراج والمباعدة والتداخل.


(1) من كتاب "Make it Stick”


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة