حفظ المحفوظ : الحافظ الشنقيطيّ الخارق 2


هل تتوقعون أنّ هناك في المسيرة العلميّة للحافظ الشنقيطيّ الخارق بعد هذا القدر من إهدار السلعة التي لا تُستردُّ، شيئا آخرَ؟! الجواب، للأسف، بلى. ذلك أنّ الحافظ الشنقيطيّ يحفظ أحيانا في العلم الواحد ثلاثة متون : مبتدئ، ومتوسط، ومنتهي. وغالبا يحفظ متنين اثنين. لا يخفى عليكم أنّ كلّ واحد من هذه المتون يتضمّن الذي قبله بالمطابقة، أو على الأقل جلَّه. مثلا : يحفظ الطالب نظم عبيد ربّه الشنقيطي على الآجرومية (150 بيتا) أو نظم العمريطي على الآجروميّة (250 بيتا)، ثم يحفظ الألفيّة وفيها ما في النّظمين وزيادة. حسابيا المحفوظ الجديد للطالب = النظم الجديد – النظم القديم. كأنّ الطالب حفظ النّظم الأوّل مرّتين. فإذا كان الحافظ الشنقيطي الخارق حافظا لنظم عبيد ربه يكون أهدر 125 ساعة في حفظ المحفوظ، إلاّ أن يهديه الله إلى اقتطاع المكرّر من الألفيّة.

لمعترض أن يقول : هذا ما يستلزمه التدرجّ في سلّم العلم، ومن رام العلم جملة ذهب عنه جملة. فأجيبه : ما أحسن ما تقول، ولكن ليس هذا الهدْرُ قدَرا لا مفرّ منه، فيمكن أن نتقيه بطرق شتى، منها الطريقة التي أروم بيانها في سلسلتي هذه، ومنها أن يُقتطع للطالب من الألفية ما يناسب المبتدئين (200 بيت مثلا)، وبهذه الطريقة لن يحتاج في المرحلة التالية إلاّ إلى حفظ ما تبقى من الألفيّة (800 بيت). قد لا يكون هذا الأمر ميسورا، ولكنّه قطعا ليس مستحيلا، خاصّة على قوم لا ينقضي عجبك من قدرتهم على تطريز المتون وترقيشها بالاحمرارات والطّرر، فلله درّهم.

هذه المفارقات تلقي الضوء على مدى تأثير الموروث على اختياراتنا وسلوكنا، وأنّنا أحيانا نسلك سبلا وننتهج مناهجا لا نتحرّى صوابها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة