1- نظام القصّة : يقوم المتعلّم بنسج رواية خياليّة من العناصر المراد حفظها بحيث تتفاعل هذه العناصر مع بعضها. لنفترض أنّك تريد حفظ العناصر التّالية : كتاب، مصباح، عنب، لبن، فرس، سلّم، رمح. لتذكّر هذه العناصر عليك أن تستعمل مخيّلتك لتأليف قصّة تتفاعل فيها هذه العناصر، مثلا : وجدتَ كتابا مفتوحا بحجم بيت، فجعلت تمشي فوقه وبيدك مصباح تضيء به الكتاب لتقرأ ما فيه، عندما قلبت الصفحة، وجدت فيها عنقود عنب كبير، حبّة العنب فيه بحجم البطيخة، أردت أن تذوق من ذلك العنب، وعندما قضمت العنبة تدفّق منها اللبن نضّاخا حتّى كاد يغرقك، جرفك اللّبن إلى حافة الكتاب، حتّى كدت تسقط من علوّ، وإذا بفرس في الأسفل يسعى بسلم في يديه ويمدّه لك لتنزل، وبينما أنت نازل جعل الفرس يرميك بالرّماح، حتّى أصابك أحدها وسقطت عن السلّم.

الغرابة والمبالغة هي بعض الصّفات التي ينبغي أن تراعى عند تخيّل القصّة، وسنعرض لهذه الصفات بشيء من التفصيل -إن شاء الله-.

2- نظام الأماكن (Loci System) : هو أقدم نظام تذكّر معروف، ويعود تاريخه إلى حوالي 500 سنة قبل ميلاد المسيح -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم-. كان هذا نظام التذكّر الوحيد المعروف حتى منتصف القرن السابع عشر تقريبًا، عندما ظهرت وطُوّرت أنظمة أخرى.

يتكون نظام الأماكن بشكل أساسي من مرحلتين. أولاً، احفظ سلسلة من الصور الذهنية لمواقع مألوفة عندك بترتيب طبيعي أو منطقي، قد تكون المواقع في بيتك أو حيّك أو مدرستك أو مدينة الألعاب التي تذهب إليها. هذه السلسلة من المواقع هي نظام التعبئة الذهني الخاص بك، والذي يمكنك استخدامه مرارا لقوائم مختلفة من العناصر. ثانيًا، اربط صورة بصريّة لكل عنصر يراد حفظه بموقع في السلسلة بالترتيب الذي تريده؛ كأنّك تقوم بجولة خياليّة عبر المواقع المختلفة في السلسلة. مثلا لو أردت حفظ نفس القائمة السابقة بنظام الأماكن، حيث تستعمل بيتك كنظام تعبئة، يمكن أن تتخيّل الآتي : في الحديقة الخارجيّة توجد شجرة يتدلّى من أغصانها كتب، عندما تهبّ عليها الريح تسمع صوت الورق المألوف إذا تحرّك، عند باب البيت هناك مصباح كبير يجهرك بنوره السّاطع فتضطر لكسره حتّى تبصر ما أمامك، تدخل البيت فتجد الردهة مفروشة بالعنب، حين تمشي فوقها تشعر بليونة العنب تحت قدميك وترى الماء وبذور العنب تتدفق مع كلّ خطوة تخطوها، ثم تفتح باب المطبخ فتجد هناك بقرة تُحلب، ثمّ تذهب إلى غرفة الجلوس فترى هنالك فرسا (نعم فرس وليس فارس!!!) جالسا على كرسيّ يرتشف القهوة أو الشاي، ثمّ تدخل إحدى الغرف فإذا سلّم كبير قد اخترق سقفها، ثمّ تدخل الغرفة التي تليها، فإذا فيها رمح كالمجنونة تخرّق الأسرّة والوسائد وتكسر الأثاث.

بما أنّ المواقع ملموسة فمن السهل تخيّلها كما أنّ من السهل استرجاعها بالترتيب.

3- نظام العلاّقات (The Peg system) : هو نظامُ تذكّرٍ يتألّف من سلسلة من الأسماء الملموسة المحفوظة سلفا. لا يتم اختيار هذه الأسماء الملموسة بشكل اعتباطيّ، ولكن يتم اختيارها حتّى تتلاءم مع الأرقام. قد يكون التلاؤم من جهة النّغَمِ، مثلا :

صفر : صقر

واحد : والد

اثنين : إسفين

ثلاثة : ثلاجة

أربعة، خمسة، ...

و قد يكون التلاؤم من جهة الشّكل، مثلا :

0 : بيضة

1 : شمعة أو قلم

2 : بجعة (الانحناء في رقم اثنين شبيه بالانحناء في عنق البجعة)

3 : كلبشات

4 : سكّين أو راية

5، 6، .....

تعمل هذه الأسماء كعلاّقات يتمّ تعليق العناصر المراد حفظها بها. لو أردنا تطبيق نظام العلاّقات على نفس القائمة، يمكن أن نتخيّل الآتي : رجل يكتب في كتاب باستعمال شمعة، بجعة تسبح في بركة ملأى بالمصابيح، يتمّ القبض على شجرة العنب ووضع الكلبشات في يديها، رجل يجرح نفسه بسكين فيخرج من الجرح لبن بدل الدّم.

مع أنّ نظامَيْ الأماكن والعلاّقات متكافئان في الفعاليّة، فإنّ لنظام العلاّقات ميزة على نظام الأماكن، ذلك أنّه يسمح لك باستخراج أي عنصر من القائمة مباشرة دون الحاجة إلى جولة ذهنية توصلك إلى العنصر، كما هو الحال في نظام الأماكن. فلو أردت استخراج العنصر الثالث يكفي أن تفكّر في الكلبشات وستعرف أنّ العنصر الثالث هو العنب.

أجريت دراسة حديثة لطلاّب المدارس الإعدادية، نصفهم من ذوي الاحتياجات الخاصة. تعلّموا نظام العلاّقات ثمّ استخدموه لحفظ أربع قوائم من 10 كلمات. استدعى الطلاّب الذين استخدموا نظام العلاّقات أكثر من ضعف عدد الكلمات التي تذكّرها الطلاّب الذين لم يتمّ تعليمهم النّظام، مباشرة بعد التعلم وبعد أسبوع واحد وحتى بعد خمسة أشهر.

كما تمّ تطوير نظام العلاّقات على الأحرف الأبجديّة أيضا، باعتبار النّغم والشكل كما هو الحال مع الأرقام.

4-النظام الصوتي (Phonetic Mnemonic) ويسمّى أيضا نظام ماجور (Major System ) : وهو نظام خاصّ بحفظ الأرقام، يعمل النّظام عن طريق تحويل الأرقام إلى حروف ساكنة (consonants)، ثم إلى كلمات بإضافة حروف العلّة (vowels). يتمّ ربط كلّ رقم بحرف ساكن أو مجموعة حروف ساكنة استنادا إلى النّغم أو الشكل أو مستند آخر.

مثلا لو ربطنا الرقم 3 : بحرف السين ورقم 9 : بحرف الفاء، فكلمة (سيف) تدلّ على الرقم (93)، حيث أنّ الياء اللّينة هنا ملغاة. مثلا لو أردتُ أن أحفظ أنّ الصحابي أنس بن مالك -رضي الله عنه- توفّي سنة 93هـ فأتخيّل شخصا أعرفه اسمه أنس يحفر قبرا بسيف. هذه المذكّرة البصريّة فيها 3 رموز :

- أنس : لأنس بن مالك

- حفر القبر : للوفاة

- السيف : لسنة 93هـ

حسب تجربتي في هذا الباب، أجدني ضابطا ضبطا شديدا لما أحفظه من خلال المذكّرات البصريّة من التواريخ، لا أكاد أنساه أو أخطئ فيه حتّى لو طال عليه العهد، في المقابل بعض التواريخ كنت أحفظها بالطريقة التقليديّة حفظا شديدا حتى ظننت أنّني لا يمكن أن أنساها، لكن بعد زمن من الغفلة عنها نسيتها أو صرت شاكّا فيها.

إذا رمزنا لكلّ محدّث من أصحاب الأصول برقم (1 : البخاري، 2 : مسلم، 3 : أبو داود...) فيمكن أن نستعين بهذا النّظام في حفظ رواة الأحاديث.

مثلا : عن عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر" أخرجه أبو داود. لأضبط هذا الحديث تخيّلت المشهد التالي : رجل أعرفه اسمه عبد الله وفي أذنه قرط دائريّ كبير، بين يديه خروف ساقاه مربوطة بكلبشات، أخذ عبد الله القرط من أذنه وذبح به الخروف. في هذه الصورة ثلاث رموز :

- عبد الله والقرط : للصاحبيّ الراوي عبد الله بن قرط

- الكلبشات : ترمز لرقم 3 الذي يرمز بدوره لأبي داود الذي خرّج الحديث

- الذبح : يرمز لقوله صلى الله عليه وسلّم في الحديث "يوم النحر"

هذه الصورة عالقة بذاكرتي من سنوات، وبها ضبطت هذا الحديث ضبطا شديدا والحمد لله وحده.

للغربيّين نماذج كثيرة مستندة على هذا النّظام، ولا أعرف أحدا وضع نظاما بالحروف والكلمات العربيّة. في الجانب العمليّ سأشارككم نظاميَ العربيّ الخاصّ لتذكّر الأرقام، وسنرى كيفية الاستفادة منه عمليا في ضبط أبواب كثيرة من العلم كالتواريخ ونسبة الأحاديث إلى رواتها. بعض هذه الأنظمة، خاصّة النّظام الصوتي، يحتاج إلى تدريب وممارسة في بادئ الأمر، لكن شيئا فشيئا تتطّور ملكة الترميز بالصّور من جهة وضوح الصور وسرعة توليدها، ويمكن الاستفادة منها في أبواب شتى حتّى في حياتنا اليوميّة : كحفظ أسماء الأشخاص، وأرقام الهواتف، وقوائم التبضّع، وغير ذلك الكثير.

اشتُقّ من نظام ماجور أنظمة أخرى مشابهة لها في المبدئ، لكنّها أكثر تطوّرا وأكثر كفاءة في ضبط الأرقام الطويلة، من أشهرها نظام دومنيك (Dominic System)، ونظام شخص-حدث-كائن (Person-Action-Object (PAO)).


لك أن تستعمل مزيجا من هذه الأنظمة لحفظ معلومات متنوّعة في سياق واحد. في أوّل تجربة عمليّة لي للمذكّرات البصريّة حاولت أن أحفظ أهمّ المعلومات المتعلّقة بغزوات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فاخترت مكانا مفتوحا فيه أبنية متفرّقة، وهو مكان معهود لديّ، وجعلته أقساما، كلّ قسم منها يرمز لسنة قمرية ابتداءا من السنة الثانية من الهجرة حتّى السنة التّاسعة. واستعملت مزيجا من الأنظمة البصريّة لتشفير المعلومات. على سبيل المثال لا الحصر، كنت أتخيّل أشخاصا معروفين لديّ ليرمزوا لحملة الرّاية : حمزة وسعد وعلي ومصعب. ورمزت للمهاجرين بأناس في قارب (المهاجرون بقوارب الموت)، ولبني قينقاع برجل يلبس قناعا، ولبني النظير بيهودي (بظفائر الخاحامات المعروفة) يلبس نظّارات، وللحديبية برجل أحدب. واستعملت نظام الأرقام الخاصّ بي لتشفير الشهر الذي وقعت فيه الغزوة وكم كان عدد جند المسلمين و وعدد جند الكافرين. وما أراه مهمّا ممّا يتعلّق بكلّ غزوة شفّرته بما ينسبه من الأنظمة التي ذكرنا.

 


هذا مثال لنظام علّاقات انجليزي يستند إلى النَّغم
One : Sun
Two : Shoe
Three : Tree
...
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة